تشكيلية - أدبية
غير مرتبطة بمواعيد تحديث ثابتة
 

العدد
التاسع
عشر
01 أكتوبر 2006
السنة الثانية
 

رئيس التحرير : فتحي العريبي


 

 


أنت
والكرسي
الذي تجلس عليه

 محمد علي صالح واشنطن

 



 


هل تتخيل حياتك بدون كراسي ؟ هذا السؤال طرحته إحدى محطات تلفزيون الـ بي بي سي - إذ  من شدة اعتياد الإنسان على كرسيه في المكتب أو البيت أو المقهى أو السينما، أو القطار، أو الطبيب، باتت الكراسي كأنها خلقت منذ الأبد. إلا أن هذا ليس حقيقيا، فالإنسان اليوم يجلس على 6 أنواع من الكراسي المختلفة في المتوسط باليوم الواحد، إلا أن هذا لم يكن الحال قبل نحو مائة عام فقط، عندما كانت الكراسي مقصورة على طبقة الأغنياء والمهنيين والموظفين الحكوميين.إلا انه ومع بداية القرن العشرين، عندما شاعت المصانع العملاقة، وخطوط الإنتاج الكبيرة، والمحلات الضخمة، تطورت الكراسي، فأصبحت واحدة من أكثر السلع انتشارا في العالم.

واصل كلمة «كرسي» باللغة الانجليزية (شير) كلمتان يونانيتان قديمتان: ( كاترا) (تحت)، و( هيدرا) (جلس).

انتقلتا إلى اللاتينية وتحولتا إلى كلمة واحدة، ( كاثدير). ويعرف القاموس الانجليزي الكرسي بأن له (أرجل ومقعد وظهر) . واصل كلمة «كرسي» العربية هو (كراس) ، بناء يجلس عليه، ويطلق على السرير أيضا. ويقال ( اجعل لهذا الحائط كرسيا ) ، أي ما يعمده ويمسكه.

وكتبت شارلوت فيل، مؤلفة كتاب ( ألف كرسي ) ، أن الكرسي علامة على المكانة الاجتماعية والرسمية، ويعكس نفسية من يجلس عليه. لهذا أصبحت الراحة، وهي الهدف الرئيسي من الكرسي ، ضحية الرمز والزينة.

وكتب موظف أميركي عن أهمية الكرسي في المكتب الذي يعمل فيه: قال لي مدير المكتب لاحظت انك تجلس على كرسي ازرق في مكتب فيه كراسي حمراء . اقترح نقل الأزرق إلى مكتب آخر فيه كراسي زرقاء . قلت  ظللت اجلس على هذا الكرسي لأكثر من سنة. قال: الأحمر أكثر أهمية من الأزرق، وسيرفع مكانتك في المكتب. قلت: أنت تجلس على كرسي ازرق. قال: أنا الوحيد في المكتب .

وكتبت مؤلفة كتاب ( ألف كرسي ) أن الشخص، عادة يفضل الكرسي الجميل والمهم، والمريح، لكنه ربما لا يختار المريح .

وليس من السهل العثور على كرسي مريح. الكرسي نفسه ليس مريحا. الكرسي يؤذي الصحة .

وأشارت إلى أن الشخص يجلس بزاوية قائمة على الكرسي، وربما تتدلي قدماه ولا تلمسا الأرض : وربما تلمسان الأرض لكنه يضطر لان يلويهما. وقالت إن هذه كلها أوضاع غير طبيعية. وأشارت إلى أن الكرسي يبطئ سيل الدم، ويضعف عضلات الظهر، ويضغط الرئتين نحو المعدة وكتبت: ( لا يوجد شيء اسمه كرسي مريح ) .

وكتبت مؤلفة كتاب ( الكراسي - ثقافة وفن ) غيلين كرانز، أستاذة المعمار في جامعة جنوب كاليفورنيا : إن الكرسي أصبح من رموز الحضارة، وفي هذه الحالة ، الحضارة الغربية التي لم تخترعه، لكنها طورته وظلت تطوره.

وأشارت إلى مذكرات إداري بريطاني في الهند في القرن التاسع عشر عن نجارين وطباخين وحدادين وباعة هنود يعملون وهم جالسون على الأرض .

كتب البريطاني: ( لا افهم كيف يحسون بالراحة وهم يعملون هكذا. ربما لأن عضلات أجسامهم ضعيفة، ولا بد أن هذا واحد من أسباب تأخرهم. أنا، كبريطاني ، أتضايق من مثل هذه الأشياء ) .

ولا يمكن تجاهل نظرة الغربي الدونية نحو الذين لا يجلسون على كراسي. ولهذا كتبت كرانز : نحن نذهب إلى مطعم ياباني ونجلس على الأرض، ونحس بمتعة، لكننا نفعل ذلك لأننا نعرف أنها تجربة مؤقتة .

أجرى غوردون هويز، أستاذ علم أجناس أميركي ، أبحاثا عن طريقة الجلوس وسط الشعوب، ودون أكثر من ألف طريقة، وقال إن اقل من نصف الشعوب تجلس بزاوية كاملة على كرسي.

شاهد صينيين يجلسون على الأرض على إقدامهم في انتظار حافلة، وعربا يجلسون على الأرض واضعين رجلا فوق رجل لكتابة خطاب ويابانيين يجلسون على الأرض على طرفي إقدامهم للأكل، وأفريقيين ( يجلسون وهم واقفون ) . ( يقف الشخص على رجل واحدة، ويرفع الثانية ويسند قدمها على الأولى، ويضع عصاه فوق كتفيه بينما يراقب أبقاره أو غنمه لساعات وساعات ). وزار مساجد ولاحظ أنها ( أساس حب العرب والمسلمين للجلوس على الأرض. تريح صلاة المسلم جسمه لأنه يغسل جزءا منه قبل إن يصلي. ويخلع حذاءيه فتشم قدماه الحافيتان الهواء.

ويقف على قدميه فتتحرك عضلاتهما. ويركع ويسجد فتتحرك عضلات الظهر. ويجلس ويخلف ساقيه أو يمدهما فترتاح الساقان) ، وقال إن الركوع والسجود يفيدان الظهر أكثر من الجلوس على كرسي.

وشهدت الثورة الصناعية في أوروبا تصنيع الكرسي. أصبح يميل إلى الإمام، ويميل إلى الخلف، ويرتفع، وينخفض، ويدور يمينا أو يسارا، أو دورة كاملة، أو يميل حتى يصبح مثل سرير. ثم ظهر الكرسي الكهربائي الذي يتحرك بالضغط على زر .

اخترع الصينيون الكرسي المزدوج ( أريكة ، لمجموعة من الناس ). واخترع الأميركيون ( لف سيت) ، (كرسي الحب، لشخصين فقط ) ، وطوروا كرسي الممثل بانكر في المسلسل التلفزيوني القديم، ليصبح اكبر، وكهربائيا، وبه جيوب لوضع كوب، وريموت كونترول، وموبايل.

ثم ظهر، مؤخرا، كرسي ( ارغونوميكس ) ، (هندسة إنسانية) الذي يصمم لتوفير الراحة لمن يجلس عليه. وظهر كرسي ( فنكشنال ) ، ( عملي ) الذي يصمم ليسهل نقله أو صفه أو رصه فوق كراسي مثله. وظهر الكرسي الشعبي المصنوع من البلاستيك المقوى ليتحمل الحر والجليد والمطر. وهناك كرسي طبيب الأسنان، وكرسي المقاهي العالي، وكرسي الأطفال، وكرسي المسرح، وكرسي الأستاذ، والكرسي المعلق من فرع شجرة، وكرسي الطائرة. وقد تأثر تصميم الكراسي كثيرا بالطبيعة وإشكالها وموادها ، فبعد الكرسي الخشبي الكبير هناك كرسي البيضة، وهو على شكل نصف بيضة، ويغطي اغلب الجسم عند الجلوس عليه ليعطى الإحساس بالاحتضان، تماما مثل الكتكوت في البيضة.

وهناك الكرسي الجلد الأسود، وهو من اغلي أنواع الكراسي بسبب استخدامه الجلد، وهو بات رمزا للقوة والمال والنفوذ. كما توجد كراسي للنخبة، يوجد كراسي شعبية واكبر مثال عليها الكرسي البلاستيك الملون الذي لا يخلو منه بيت، كما يستخدم بشدة على الشواطئ بسبب رخص ثمنه وسهوله حمله، وألوانه المبهجة، كما أن هناك الكرسي القماش، وهي كلها مواد طبيعية عادت لتكون الأساس في تصنيع الكراسي، إضافة إلى استخدام الصلب.

ويوجد في متحف التاريخ الأميركي في واشنطن أشهر كرسيين في أميركا: الأول، الكرسي الهزاز الذي استعمله الرئيس جون كنيدي لأنه عانى من آلام في ظهره بسبب جروح إصابته خلال الحرب العالمية الثانية.

استعمل الكرسي في الكونغرس عندما كان عضوا فيه، ونقله إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، عندما فاز بالرئاسة. ووضع واحدا مثله في منتجع كامب ديفيد، وثالثا في الطائرة الرئاسية ( اير فورس ون ) ليرافقه في رحلاته في الداخل والخارج. وكان هديته المفضلة لأصدقائه وللملوك والرؤساء الذين زاروا الولايات المتحدة. واشتهر، منذ ذلك الوقتالكرسي الهزاز  .

وهناك كراسي أميركية أخرى مشهورة في متاحف أخرى، منها :
أولا، الكرسيان اللذان جلس عليهما، في سنة 1870 رئيس الولايات المتحدة غرانت ورئيس الولايات الفدرالية لي عندما وقعا اتفاقية استسلام ونهاية الحرب الأهلية التي استمرت عشر سنوات.

ثانيا، الكرسي الذي جلس عليه ليوقع في سنة 1941، الرئيس روزفلت قرار الكونغرس بدخول أميركا الحرب العالمية الثانية.

اشتهر كرسي روزفلت وطاولته لأنه طلب أن يكون الرمز التذكاري له بعد وفاته صغيرا جدا، في حجم الطاولة.

ويوجد الآن، أمام دار الوثائق الوطنية في واشنطن، نصب تذكاري لروزفلت في حجم الطاولة.

ثالثا، الكرسيان اللذان جلس عليهما، في سنة 1960، كنيدي ونيكسون خلال أول مناظرة في التلفزيون خلال حملة انتخابية رئاسية.

النص نقلا عن
http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=45&issue=9943&article=348640

الصور
 أرشيف مجلة كراسي

خطاب مفتوح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نأمل من الأستاذ : محمد علي صالح
التفضل بتزويدينا ببريديه الإلكتروني
وخلاصة سيرته الصحفية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



 

 


 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرس العدد التاسع عشر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرشيف المجلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصفحة الرئيسية  
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



التعريف بالمجلة
 وشروط النشر
 علي صفحاتها




^ ^ الانتقال إلي أعلي الصفحة ^ ^



المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي كراسي