صفحات أدبية وأبعاد تشكيلية للفنان الليبي - فتحي العريبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Fathi El-Areibi :  Libyan artist & writer

الآخرون .. وأنا

حوارات صحفية
الحوار الأول


الصور بالمتحف التاريخي الألماني – قسم السينما – ميونخ 1969


تحقيق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جابر نور سلطان
مجلة الشاهد
العدد 186 يناير 2001
نيقوسيا : قبرص


 

فتحي العريبي - اسم مهم في المشهد التشكيلي في ليبيا نحت مشواره علي مدي أربعين عاما بجد ومثابرة · لامست عينيه مبكرا " العدسة " حيث تلقف كاميرا الوالد العتيقة وضجت طفولته بشغف للفنون فيما راح يتنقل مثل نحلة بين الزهور · حينا تداعب الريشة أصابعه وحينا تداعب أنامله أوتار العود لكن الطواف الجميل استقر به عند آلة التصوير ومن يومها تواصلت حوارية العمر وتخلقت علاقة خفية سحرية بينه وبين العدسة · علاقة أبدعت علي مدي عقود حقلا من البهجة والإتقان والانحياز الكلي للجمال · حلول مثير حدث في صمت جليل بين حدقة العين وبؤرة العدسة وتكونت علائق وقصص وحكايات وصارت كاميرته تنظم شعرًا وترسم وتتلمس وتتحسس وتغوص عميقا في الملامح والتفاصيل السحيقة وتعرف عين " فتحي " كيف تقبض علي لحظة الوهج عند الإنسان وتعرف كيف ترصد الحالة البشرية في كل تجلياتها .
 

فتحي العريبي  - بيروت 1975


لقد أحال فتحي العريبي التصوير الضوئي إلى فن ضاف بالمشاعر والأحاسيس وتخلت العين عن اللسان ومارست بوحها مباشرة دون وسيط  ، مولع بالقراءة واقتناء الكتب في شتي الثقافات والمعارف · يخصص طابقًا كاملا من منزله لممارسة فنه وعمله حيث المكتبة المتميزة والحاسوب وخط الإنترنت ويعكف في هدوء وسكينة إلى تعاطي شعيرة الفن دون ضجيج .

حاولت عبر هذا الحوار أن أغوص عميقًا في روح وقلب هذا الفنان الذي يبعث الآن رسائل حب وسلام عبر الإنترنت من هنا من ليبيا إلى كل بقاع العالم معلنًا أن ليبيا وطن للفن والحب والجمال ، وبالفعل تلقف الآخرون رسائله ونزلت منهم منزل الإعجاب · هذه ممارسة مغايرة من لدن فتحي العريبي في محبة الوطن .
 

الطفولة هذا الحقل الجميل حيث ترتسم الطراوة والطزاجة والوفرة حيث دثار البراءة والطهر . ماذا تحفظ ذاكرة فتحي العريبي من ذلك الزمن الجميل .؟
 

لم يكن زمنا جميلا كله بعد الثامنة من عمري وتحديدا عند وفاة والدي ( 4 .6 .1950 ) فقد داهمتني أثر هذا الحدث الجلل سحابة حزن ثقيلة الوطأة · فحين كان هذا الوالد الميسور الحال الكريم ومن كبار تجار الذهب في سوق الظلام كان بيتنا يعج بالضيوف الكثر من أبناء وبنات عمومتي وكانوا يتوددون إلي بكل الوسائل بسبب الكرم الذي كان يغدقه عليهم بل وكان - هؤلاء الأقارب - يسمونني علنا باسم : ( أفتيح ) إمعانا في التقرب من والدي . كان بيتنا من البيوت القليلة في كل أنحاء المدينة الذي يتواجد به مذياع وجهاز جرامفون ضخم وأسطوانات بلاستيكية سوداء كثيرة لأم كلثوم وعبد الوهاب واسمهان وغيرهم من مطربي ذلك الزمان ولك أن تتخيل مثل هذا في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين في مدينة خرجت لتوها من أهوال الحرب العالمية الثانية .

فجأة أنفض الجميع من حولنا وحل الحزن محل الفرح والسرور وحياة الرغد ، وفي الثانية عشرة عشت حالات من الانفلات وعدم المراقبة العائلية الدقيقة وكنت إلي حد ما علي شفا حفرة من الضياع إلي أن جاء المنقذ السيد : دومه صالح محمد الشاعري العبيدي ، الذي تزوج عام 1954 من والدتي : الحاجة فاطمة حسن الحوتي ( 1917 - 2001 ) ، وكان سيدا فاضلا بمعني الكلمة وضابط شرطة جاد ومخلص في عمله رجلا لا يدخن أبدا ولا يعاقر الخمر وشاءت ظروفه المهنية أن ينقل إلي أحد مراكز الشرطة في مدينة المرج التي تبعد عن بنغازي شرقا بحوالي مئة كيلو متر وكانت نقلة نوعية بالنسبة لي وفتحا مبينا إذ تعرفت علي أجواء جديدة وأصدقاء طفولة جدد .

في السنة التالية نقل الملازم دومه صالح إلي مركز مدينة شحات ، المدينة التي بناها الإغريق والتي ما تزال آثارهم باقية إلي يومنا هذا ، في هذه المدينة مكثنا سنة كاملة ووقعت في الحال في غرامها وتعرفت علي أسماء عصافيرها وأشجار السرو والصنوبر المحيطة بها، وسجلت ذاكرتي الكثير من الحكايات والأساطير المدهشة وغير المعقولة حول الحفريات والمتحف الأثرى .

بعد ذلك عدنا إلي المرج وسكنا في حي شعبي مخصص لموظفي الحكومة لمدة وجيزة ثم رحلنا إلي بلدة طلميثه الساحلية عند سفوح الجبل الأخضر وفي هذه البلدة أتقنت فنون السباحة وصيد السمك وفي نهاية العام 1957 رجعنا إلي بنغازي ، رجعنا إلي بيتنا القديم بشارع ( حويو ) وتعتبر الفترة التي أمضيتها في الجبل الأخضر من أكثر سنوات الطفولة ثراء ، سنوات حافلة بالمغامرة وصيد العصافير والأسماك والاكتشافات الطفولية التي صقلت عودي وقدمتني للحياة فيما بعد صبيا واعيا ومدركا لما يحدث حوله ,
 

الموهبة هذا الملاك اللطيف الذي يحط بحنو في داخلنا يوقظ مدائن الإبداع والكشف في جوانيتنا متي بدأ هذا الملاك النقر علي نافذة الفؤاد ؟ .
 

كل إنسان منا يولد وتولد معه بذرة اهتمام فني معين وتعمل الظروف الحياتية المتاحة لهذا الإنسان أو ذاك علي إنعاشها وتنميتها أو كتم أنفاسها نهائيا .

وبالنسبة لي كانت حالات الانفلات وجانب كبير من مرحلة الجبل الأخضر في زمن الطفولة مناخا حرا وطليقا وفوضويا وان كان محاطا بالخطر ومهاوي الضياع ولم يكن بيتنا كما أسلفت حتى الثامنة من عمري بيتا عاديا بل توفرت به وسائل ومعدات ترفيه كثيرة وكانت آلة التصوير من بين هذه الأدوات التي ظننت أن تواجدها بيننا أمر عادي وهي الآلة التي سوف أعود للحديث عنها ضمن سياق حوارنا هذا وعند السؤال المناسب لذلك .

فقد كنت مولعا بفن الرسم في مدرسة النهضة الابتدائية بشارع شهداء آل جعودة بمنطقة سيدي أخريبيش وكان مدرس هذه المادة يمنحني بعض اهتماماته وتوجيهاته في حدود ما توفر لدي من استيعاب في ذلك العمر وبدلا من الاستمرار في هواية الرسم تحولت إلي الموسيقي وانتظمت فعلا في مدرسة صغيرة لتعليم العزف علي آلة العود كان يديرها الملحن الراحل الأستاذ مصطفي المستيري في حي - فندق بن غربال القريب من حي سوق الحشيش .

وعندما تعرفت علي الفنان الكبير الأستاذ حسن عريبي عام 1961 ، وأطلعته علي دروس هذه المدرسة نصحني بعدم الاستمرار فيها وأفرد لي مقعدا في دورة فنية بالإذاعة لتعليم النوتة الموسيقية ولأنني كنت في عجلة من أمري لتعلم العزف علي أي آلة موسيقية وهو ما كان غير متاحا في هذه الدورة ، فانسحبت منها منتهزا انشغالي في رحلات كشفية خارج المدينة وعدت أعبث بآلة التصوير التي تركها لي والدي ، غير أنها لضخامتها وصعوبة التعامل معها اشتريت آلة صغيرة وبسيطة التشغيل وشرعت ألتقط الصور كيفما أتفق البعض منها في منتهى الوضوح والكثير من هذه الصور المبكرة مشوشة ومخجلة عند عرضها علي الأصدقاء ، وشيئا فشيئا تعرفت علي القليل من الأسرار الفنية وصرت أحاكي الصور التي تنشر بمجلة : آخر ساعة ، ورغم العديد من هواياتي المتشابكة فقد وجدت نفسي أخيرا مع آلة التصوير، تلك الملاك الشفاف الذي نقر علي نافذة الفؤاد وتشاركني حتى اللحظة نبض القلب وفيض الأحلام .
 

لا يمكن أن نحاور فنانا دون أن نفتش في جراب القلب وننبش في خزائنه العتيقة نبحث عن قوارير العطر الساحرة وعن الأوراق الزرقاء وعن ملامح الملامسة الأولى لفاتنة ساحرة لكائن جميل مغاير ندعوه بكل الحب : أنثي . ماذا عن نبضات القلب التي يوقعها بوقع آخر في حياة الفنان فتحي العريبي؟ .
 

حينما عدنا إلى بيتنا القديم في بنغازي بعد رحلة الجبل الأخضر التي سبق الحديث عنها وجدت شارع حويو قد تغير تماما وبخاصة الجيران الجدد .

وكان من بين هؤلاء الجيران عائلة أبوشويقير عائلة مختلفة عن الآخرين وأكثر تحضرا وانفتاحا الوالد أسمه: ( فتحي ) من أب ليبي وأم مصرية وهو من مواليد مدينة الإسكندرية - تلك المدينة التي أحبها كثيرا - وزوجته - فاطمة - ليبية من مواليد قرية سيدي سويكر شرق بنغازي وكانت فوزية منذ النظرة الأولى محل اهتمامي لتقارب عمرها مع عمري ولأنها أجمل فتيات الشارع بل الحي بأكمله تعلقت بها وأنا في الرابعة عشرة من عمري وتزوجتها في العشرين وكانت تصغرني بعامين وخلال هذه الفترة الزمنية التي سبقت الزواج لم نكن متفقين في اهتماماتنا الموسيقية أنا أنتمي إلى معسكر فريد الأطرش وفوزية تتحصن بمواقع عبد الحليم حافظ وعندما تبين لي أن امتلاك قلبها لا يتم إلا برفع رايات الاستسلام والانضمام عن طيب خاطر إلى دائرة عبد الحليم التي أخذت فعلا في الاتساع مقابل انكماش وتقهقر معسكر الأطرش وهذا الانقلاب والتحول الخطير في مواقفي الموسيقية توج هذا الغرام بالزواج من ( فوزية فتحي سالم أبوشويقير) عام 1962 التي أسميها : ( ضي الحوش ) وهي الزوجة والصديقة والحبيبة التي لولا تواجدها في حياتي ما وصلت إلي ما وصلت إليه الآن من تألق وفن وإبداع .
 

ستينيات بنغازي في القرن العشرين : الصادق النيهوم - خليفة الفاخري - حسين مخلوف - علي الفزاني - محمد الشلطامي - سالم الكبتي - أنيس السنفاز – عبد السلام زقلام – محمد مخلوف - محمد الزواوي - فتحي العريبي وغيرهم . كيف ترسم تفاصيل المشهد الثقافي في تلك الأيام .
 

كل هذه الأسماء تشكلت وبرزت من خلال الفضاءات الرحبة التي فسحها لهم رشاد الهوني علي صفحات جريدته الحقيقة . وكانت ثقافة الستينيات إجمالا سمة مميزة طالت الجميع في كل أنحاء العالم بسبب تفاعلات وإرهاصات ما بعد الحرب العالمية الثانية ففي إنجلترا ظهرت فرقة الخنافس وفي أمريكا سطع نجم المغني الفس بريسلي وفي باريس سلطت الأضواء الفكرية والفلسفية علي جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وفي لبنان أشرقت فيروز وبهرنا نزار قباني بأشعاره غير المسبوقة وفي سوريا الماغوط وسعد الله ونوس . وتعد مصر المؤثر الحقيقي لثقافة الستينيات في بنغازي حيث تألق صلاح جاهين في أشعار الرباعيات وجمال السجيني في النحت وجورج بهجوري في الكاريكاتير ومصطفي محمود علي صفحات مجلة صباح الخير - وغيرهم .

هذا المد الثقافي الحي والقادم من الشرق هب علينا في زمن ( مصر عبد الناصر ) وضمن المخططات الثقافية للمبدع الكبير الدكتور الفنان : ثروت عكاشة أحد أبرز واهم وزراء الثقافة في الوطن العربي وكان التواصل الثقافي بين الشقيقتين مصر ليبيا في أفضل حالاته.
 

العمر هذه الأنفاس المعدودة المحددة المبعثرة في هيكلنا المسكون بالفناء إلى أي مدي تفلح العدسة في رصد هذه الأنفاس وملاحقتها ؟ .
 

إنها لم تتوقف عن الرصد منذ سنوات اختراعاها الأولى معتبرة أن الحياة في مجملها صورة بل صور منها ما يدخل إلى حياتنا وتشغل الناس ردحا من الزمن ومنها ما يتسلل إلى صفحات التاريخ وتصبح وثيقة عظيمة الشأن عند الرجوع إلى شهادتها علي العصر الذي التقطت فيه فهي تشبع حيزا من معرفتنا حول الماضي وتجعلنا نستوعب الحاضر.. هذه هي الصورة أليست الحياة صورة . !!
 

الفنان كائن مغاير مفاجئ وقلق !! تري إلى أي حد يمكن أن يقيم طقوسه ويمارس شعائره ضمن منظومة المحرم والسائد والتراتبي . ؟
 

الكثير من طقوس الفنان وشعائره تظل في معزل عن عيون الآخرين وهناك ثوابت لا يستطيع أن يحيد عنها الفنان وغير الفنان في مسائل المحرم والسائد والتراتبي من ذلك مثلا المعتقدات الدينية والعرف الاجتماعي والأخلاق العامة.
 

العبور نحو الستين هاجس ، كيف يطرق روح الفنان بينما تتسع رؤيته للحياة وتمتد كشوفاته ليلامس الحقيقة. ؟
 

أهم ما كنت أود قوله جاء ضمن مفردات سؤالك هذا ، فالفنان لا يقاس بعدد السنين التي عاشها قليلها أو كثيرها بل بمستوي وقيمة ونوعية آثاره الفنية فشاعر عظيم مثل التونسي أبو القاسم الشابي الذي فارق الحياة دون الخامسة والعشرين أعطي في حياته القصيرة جدا ما عجز عنه غيره من الشعراء من الذين بلغوا من العمر عتيا ، وما يقال عن أبي القاسم الشابي يكاد ينطبق علي فنان الشعب في مصر - سيد درويش والنمساوي موزارت ، من جهة أخري نجد أن شاعرنا الخالد ( نزار قباني ) وقد تجاوز الخامسة والسبعين من عمره لم يتوقف لحظة عن قلب الموازين السائدة في الحب والحرية والسياسة ، والحال كذلك مع الأسباني الأسطوري : بابلو بيكاسو .

 الحوار الثاني - جميل حمادة - صحيفة الشمس طرابلس

الحوار الثالث - حنان علي  كابو - صحيفة العرب - لندن

تفضلوا مشكورين بزيارة هذا المعرض من خلال الضغط علي صورة هذه الكاميرا


 
أضغط  صورة الكاميرا
لزيارة المعرض الذي أعد لكم خصيصًا
 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السيرة الذاتية Biography
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعارض الفنية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرآة الصحافة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلوة - عش الحمامة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عش الحمامة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحق ثقافية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة كراسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ